مذكرة السكرتير العام
في رسالة موجهة الى السكرتير العام لعصبة الأمم في 1 تشرين الثاني 1920 طلب منه نقل طلب انضمام جمهورية أذربيجان لعصبة الأمم الى جمعية عصبة الأمم.
وصدرت هذه الرسالة عن وفد أذربيجان المشارك في مؤتمر السلام، والذي كان يعمل على مدى أكثر من عام في باريس. وأعلن أعضاء الوفد في جنيف أنهم استلموا مهامهم من الحكومة التي تترأس الحكم في باكو حتى شهر نيسان الماضي. ومن الضروري التذكير بالوضع السائد قبل قيام هذه الحكومة في أذربيجان.
قيام دولة أذربيجان:
قامت جمهورية أذربيجان على أراضي ما وراء القوقاز أي أقاليم باكو ويليزافيدبول (كانتشا حالياً – المترجمة)، حيث تقع على ضفة بحر قزوين وتمتد حدودها باتجاه الشرق، ويحدها من الشمال داغستان ومن الغرب جيورجيا وأرمينيا ومن الجنوب إيران.
حسب إحصاءات روسيا الأخيرة يبلغ عدد سكانها 4 ملايين و615 ألف نسمة، من بينهم 3 ملايين و482 ألف من التتر المسلمين و750 ألف من الأرمن و26.580 نسمة جيورجيين وأقليات أخرى من الروس والألمان واليهود.
تجدر الإشارة الى أنه رغم مساحتها التي تبلغ 40 ألف ميل مربع إلا أنها لم تشكل دولة أبداً في السابق، وكانت دائماً ضمن مجموعة دول أكبر مثل منغوليا (تركيبة المغول-التتر) أو ايران، وفي الامبراطورية الروسية منذ عام 1813.
وتسمية “أذربيجان” التي اختيرت من أجل الجمهورية الحديثة ليست إلا اسم إحدى المقاطعات الإيرانية المجاورة.
الفترة الأولى: جزء من الدولة الاتحادية
بعد انهيار الحكم الروسي في القوقاز في تشرين الأول عام 1917، تجمعت شعوب تلك المنطقة من التتر الأذربيجانيين والجيورجيين والأرمن، وقامت بإنشاء ما يسمى بالجمهورية الاتحادية تحت قيادة عامة تتألف من ممثلي المجلس الاتحادي.
ونتيجة للخلافات الحادة، انهار اتحاد ما وراء القوقاز في 26 أيار 1918 في تبليسي حيث كان البرلمان يعقد اجتماعاته.
الفترة الثانية: جمهورية مستقلة
وفي 28 أيار تم الاعلان عن جمهورية أذربيجان في تبليسي. تم تعيين فتالي خان خوسكي رئيساً للحكومة. ويبدو أنه تم الاتفاق على أن يشكل الأعضاء المسلمون في القصر الاتحادي السابق مع أعضاء البرلمان برلماناً مؤقتاً. انتقلت حكومة الجمهورية الحديثة من تبليسي الى أراضيها ولكن لم تتمكن من أخذ السلطة في العاصمة باكو حتى 14 أيلول عام 1918.
فقد كانت القوات البلشفية قد احتلت المدينة قبل غزو القوات الألمانية –التركية. وبذلك، انطلاقاً من الحق الانتخابي العام، تم انتخاب برلمان يتألف من 120 عضواً وسلمت السلطة التنفيذية لوزارة تتألف من شخصيات معروفة في منطقة باكو.
وفي 17 تشرين الثاني عام 1918 دخلت القوات البريطانية باكو بقيادة الجنرال تومسون الذي كان يمثل الحلفاء وقوى التحالف. وبعد الدخول الى باكو قام الجنرال بتبديل الحكومة بهيئة إدارة محلية.
وأعلن رسمياً أنه احتل الأراضي الروسية بموافقة حكومة روسية جديدة دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق روسيا في المنطقة. على أية حال، في 28 كانون الأول 1918 أعلن الجنرال تومسون أن حكومة جمهورية أذربيجان من الآن فصاعداً هي الحكومة المحلية الوحيدة. أما الحلفاء فسيضمنون مساندتهم للحكومة.
وخلال الاحتلال البريطاني وبعده كان دستور الجمهورية يحمل طابع الغموض وعدم الفهم.
كانت حكومة أذربيجان تتواجد خلال مؤتمر السلام في باريس، وكان المجلس الأعلى للجمعية يعترف بجمهورية أذربيجان واقعياً في 12 كانون الثاني عام 1920، في نفس الوقت الذي تم الاعتراف بجمهورية جيورجيا وجمهورية أرمينيا. وتجدر الاشارة الى أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لم تنضم لذلك الاعتراف.
الفترة الثالثة: حل الحكومة
أخذت الحركة البلشفية في 25 نيسان 1920 دفعاً جديداً في باكو، مما اضطر سلطات جمهورية أذربيجان للمحاربة، حيث تم قتل بعض أعضاء الحكومة على يد الثوريين وحل الجيش.
حسب المعلومات التي زودها الوفد في جنيف فإن الأراضي التي يقطعها الخط الحديدي ما زالت تقع تحت تصرف البلشفية باستثناء المنطقة الواقعة بين يليزافيبول وحدود جيورجيا.
وحتى ذلك الحين، لم يكن جزء كبير من تلك المساحة محتلاً بل كانت تحت سيطرة سلطات جمهورية أذربيجان بشكل واضح. كان عدد من الهيئات الحكومية في يزيدافيدبول أما الباقون فكانوا قد انتقلوا الى تبليسي حسب الأخبار الواردة. بات من الواضح انقسام الجيش، وعدد من تشكيلاته تتواجد في المنطقة الشمالية من البلاد والآخرون في جنوب البلاد.
بقي التواصل مع جيورجيا مستمراً لكنه لم يستمر مع الجارة ايران وأرمينيا بسبب احتلال منطقة القزوين وغزو الكماليين الأخير.
في الوقت الحاضر، جمهورية أذربيجان محرومة من كافة مصادر الاستمرارية أي إنتاج النفظ وصيد الأسماك من بحر القزوين والتجارة الحرة. فإدارة الجمهورية يمكن أن تستمر فقط بوسائل مبهمة: حيث كانت الهيئات التنفيذية والرقابية تجد صعوبة في التواصل مع الحكومة المركزية المنحلة حينها.
ملاحظات قانونية
تنص المادة 1 من ميثاق عصبة الأمم على الشروط اللازمة للدول بشأن انضمامها الى عصبة الأمم، على النحو التالي:
“إن الأعضاء المؤسسين لعصبة الأمم يجب أن يكونوا من الدول المشار إليها في ملحق الميثاق والتي وقعت على الميثاق، وكذلك تلك الدول التي تنضم الى المثياق دون تحفظات”.
ويجب أن يتم الانضمام الى الميثاق عبر تسليم سكرتارية عصبة الأمم “إعلان حول الانضمام” خلال مهلة شهرين من دخول الميثاق حيز التنفيذ.
ويتم إبلاغ كافة الدول الأخرى الأعضاء في الميثاق أنه “يمكن لأي من الدول ذات الحكم الذاتي غير المشمولة في الملحق، وأي أراضي تقع تحت الوصاية أن تصبح عضو في عصبة الأمم عند موافقة ثلثي الجمعية العامة، بشرط أن تقدم ضمانات مثمرة حول نيتها الحسنة في تنفيذ واجباتها الدولية وتقبل بالنظام الذي قدمته عصبة الأمم بشأن القوات البرية والبحرية والجوية والمؤن الحربية”.
” يمكن لأي عضو في عصبة الأمم أن ينفصل عن المنظمة بعد إبداء رغبتها بسنتين، بشرط أن تكون عند انفصالها قد استكملت كافة التزاماتها الدولية وتلك التي اتخذتها ضمن هذا الميثاق”.
إن طلب وفد أذربيجان للسلام من أجل الانضمام الى عصبة الأمم أثار من الناحية القانونية مسألتين يجدر طرحهما على الجمعية. إن أراضي أذربيجان كانت منذ البداية جزء من الامبراطورية الروسية، فالسؤال الذي يطرح هو أنه هل إعلان الجمهورية المؤرخ في أيار عام 1918 واعتراف الدول الحليفة الذي تبعه في كانون الثاني عام 1920 يكفيان للتأكيد على أن أذربيجان قانونياً هي “دولة ذات سيادة ذاتية” حسب شروط المادة 1 من ميثاق عصبة الأمم. وبهذا الصدد يجب الاشارة الى أن الوفد الأذربيجاني هو الوحيد الذي أصر على أن يكون الاعتراف بالجمهورية واقعياً. فلم تعترف بأذربيجان قطعياً سوى الدول التالية: بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا واليابان، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت ذلك.
لو صادقت الجمعية على وضع أذربيجان الدولي “كدولة ذات سيادة ذاتية”، فإنه سوف يطرح السؤال التالي: هل الوفد الذي قدم طلب الانضمام مخول لتمثيل الحكومة الشرعية؟ وهل تلك الحكومة على استعداد لتتحمل التزامات انضمامها الى عصبة الأمم وإعطاء الضمانات؟
المصدر: كارابـاخ الجبليـة – وجهة نظر قانونية، إعداد شاهين أفاكيان، ترجمة د. نورا أريسيان، بيروت، 2006.
من سلسلة (30 مادة تاريخية وأرشيفية حول كاراباخ، بمناسبة الذكرى الـ30 لحركة كاراباخ) التي ينشرها موقع “أزتاك العربي” تباعاً.