النغمة الأولى:
عندما كنت صغيرة قرأت في الكتب المدرسية
أن قضيتنا الأرمنية هي قضية إنسانية عالمية
أن العدل الحق الحكمة هن أخوات مناصرين “ليريفان”
وأننا ننتمي إلى أم واحدة هي “الإنسانية”
لكن شيئاً فشيء اكتشفت أن كل هذا
كان مجرد….مجرد…مسرحية؟
أن نصف الكتب شعارات لمناسبات وطنية
أن مستقبلنا مرهون بمزاجات سياسية
أن ماضينا أكثر حزناً وبؤساً ومأساوية
أن الخطب السياسية “فجة كاذبة”
أن العظاة الدينية “تذكرة لوهم السعادة”
باختصار…اكتشفت أن الواقع النفسي المرير الذي يعيشه الأرمن
لا يشبه أبداً ما يكتبونه في الكتب المدرسية ولا نشرات الأخبار
لا يشبه أي وصف قرأته أو سمعته أذناي
وأن حكمة جدي شاهد الإبادة
هي الماضي والحاضر والمستقبل
كان جدي كغيره لا يؤمن بانتهاء القضية
يخطط لزراعة قمح في أرضنا هذي السنة
وتزيين زوايا غرفتي بعقود الفل والبيلسان
لكنه مات منذ عامان بالذبحة الصدرية
وترك لي مهمة تحقيق هذه الوصية
النغمة الثانية:
أنا لا أعرف شمس أرمينيا
إلا من خلال وصف جدي والأشعار
لا أعرف الشروق في “سيس”
ولا وجه القمر في “عينتاب”
لا أعرف المروج في “ديار بكر”
ولا طعم الخبز في “وان”
موقع بيتي عرفته على الخريطة
ورثت الذاكرة وأنا بدوري سأحييها
تعلمت من معلمتي وكانت تدعى “ماغي”
أن الإيمان بالشيء يصنع المعجزات
أن حفنة من القوة خير من كيس فضيلة
كانت كلماتها تنشلنا من هواجسنا الليلية
تنقلنا بهودج من الأمل والندى الوردي
عبر صحراء يأسنا القاحط لميناء السلام
كانت معلمتي تقوينا وبدورها
تستمد القوة من زوجها …”أبانا”
سمعته مرة يقول لها في الكنيسة:
لا تخافي يجب أن تظهري أمام ولدانا وطلابك
بصورة متماسكة… متفائلة….. قوية
لا تخافي فالله معنا وإن كان للباطل الأغلبية
وسمعتها وهي تبكي وتقول:
لماذا قطعوا أخر عرق صبر فينا
لماذا باعوا دماءنا بحفنة حبر على ورق
وخدعة تسمى سياسة أو تسوية
يحاولون خداعنا لكننا لسنا أغبياء
وإن لم نكن أقوياء وإن لم نكن نملك غير
الصلاة والدعاء وأمنية هي أغلى الأماني
نملك حق استعادة أراضينا المغتصبة
وأن نكمل في بيتنا هناك ما تبقى من عمرنا
النغمة الثالثة:
لا تملوني أو تلوموني إن حدثتكم عن قضيتي الأرمنية
فأول الحب وأول الصداقة هي الوطنية
أليس من حقي أن أكون فتاة عادية
أليس من حقي أن أصنع من خصلات شعري جداول حنة
أليس من حقي أن أجعل عيني مسكن أماني وردية
أليس من حقي أن أحب وأعيش عواطفي بحرية
أليس من حقي أن أمشي كغيري بكبرياء وشاعرية
أليس من حقي أن يكون لي بستان خوخ ورياض بنفسجية
أليس من حقي أن يكون صدى صوتي أغنية سجية
أليس من حقي أن أفكر بأنوثة ورومانسية
أليس من حقي أن أنام في وطني بلا هواجس ليلية
إن كانوا قد سلبوا مني أرضي الأبية
وجعلوني مهجرة شريدة منفية
فلماذا يعتقدون أنهم يستطيعون محو
هويتي وشخصيتي الأرمنية
لماذا يعتقدون أنهم يستطيعون
المساس بروحي الأرمنية النقية
يريدون أن يجعلوا مني شعار انتخابيا
بعد أن جعلوا من قضيتي سلعة في الأسواق العالمية
ليؤلف المؤلفون مئات الكتب عن قضيتي الأرمنية
وليقول المحللون كلمتهم في تحليلاتهم السياسية
ولتكتب “رشا” عشرات القصائد الشعرية
هذا كله لن يغير من حقيقتنا المأساوية
إلا طريق واحد رسمه لي “دايفيد الصاصوني”
ما زلت أؤمن “كمعلمتي”
بحقوقنا وأحلامنا المشروعة
وأكذب حقيقة واقعنا المغشوشة
أن ما أخذ مني بقوة السيف
لا يمكن أن أستعيده إلا بالدم.